Saturday, April 7

نبذة عن الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم



التمهيد




من رجال السياسة الذين سطروا أسماءهم في سجل الخلود، ومن الوطنيين العظام الذين قادوا بلادهم إلى مراقي العزة والتطور، صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ذلك الزعيم الخالد الذي رحل عن دنيانا مساء السابع من أكتوبر 1990م.

والشيخ راشد هو أبن سعيد بن مكتوم بن حشر ن مكتوم (الأول) بن بطي بن سهيل الفلاسي. وينحدر آل مكتوم من قبيلة بني ياس، وهي من القبائل العربية الكبرى التي ظلت تلعب دوراً رئيسياً في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد على مر العصور، وينتمي آل مكتوم إلى أحد أقسام هذه القبيلة هو (آل بوفلاسة) والى آل بوفلاسة يعود الفضل في استقرار دبي منذ أن تولى الشيخ مكتوم بن بطي الحكم فيها عام 1833 ليصبح بذلك أول حاكم لدبي من عائلة آل مكتوم.

وامتد حكم مكتوم بن بطي حتى عام 1852 بعد أن أرسى دعائم الإستقرار والأمن فيها بفضل شجاعته وحكمته وقدرته الكبيرة في تصريف أمور البلاد في زمن كانت الحياة فيها مليئة بالمعاناة وشظف العيش. وتعاقب على الحكم شيوخ من آل مكتوم حتى تولى سدة الحكم في دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وفي عهده شهدت إمارة دبي ازدهاراً لم يسبق له مثيل في تاريخ الإمارة بعد ان استطاع ان ينقل دبي من مدينة تعيش على اقتصاد الكفاف إلى حاضرة تنعم بالوفرة والرخاء.

ويعتبر تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971 من أعظم الإنجازات التي يسجلها التاريخ لكل من صاحبي السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.

ولقد استطاع الشيخ راشد أن يتجاوز الصعاب ويقهر التحديات التي واجهته طوال سنين حكمه التي امتدت من عام 1958 حتى 1990 وعندما كان قبلها ولياً لعهد دبي إبان حكم والده الشيخ سعيد بن مكتوم.
وقد حاولنا في هذا الكتاب ان نقدم قدر المستطاع سيرة لحياة المغفور له الشيخ راشد وأن نرصد بعض إنجازاته العديدة التي ساهم بجهده وعرقه وفكره وحكمته وصبره في تحقيقها. ونحن بهذا الجهد المتواضع الذي نقدمه لن نوفي هذا الرجل حقه، ولكننا أردنا ان نقدم للقارئ العربي والأجنبي لمحات من تاريخه عرفاناً منا بما أنجزه لوطنه وشعبه وأمته، ونحن موقنون ان التاريخ سيضع هذا الزعيم الهمام في المكانة التي تليق به بين القادة العظام الذين صنعوا أمجاد بلادهم وكفلوا لشعوبهم أسباب العيش الكريم.
وقد قسمنا هذا الكتاب إلى فصول، حيث يتحدث الفصل الأول عن مولد الشيخ راشد ونشأته، وتناولنا بعد ذلك بالرصد والتحليل الفترة التي تولى فيها الشيخ راشد الحكم في دبي وما أنجزه فيها من مشاريع وفلسفته في الحكم.
ولأن المغفور له الشيخ راشد كان يتمتع بصفات نادرة فقد أفردنا فصلاً كاملاً للحديث عن مآثره وخصاله، ولقد كانت إنجازات الرجل من العظمة بمكان ما دفعنا للتركيز في الحديث عنها بشكل تفصيلي.
ويتناول أحد الفصول دور الشيخ راشد في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة والجهود الذي بذلها في سبيل تحويل الحلم إلى حقيقة، وتغطي هذه الدراسة جانباً من إنجازات الفقيد الكبير إبان توليه رئاسة الحكومة في الإمارات قبل ان نرصد ما تناقلته الصحف ووكالات الأنباء العالمية من أبناء وتحليلات عقب انتقال الشيخ راشد رحمه الله إلى الرفيق الأعلى بعد عمر حافل بالإنجازات وجليل الأعمال.




الشيخ راشد .... مولده ونشأته



نشأ الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في كنف والده صاحب السمو الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم الذي اشتهر بالورع والتقوى وسمو الأخلاق، وترعرع في حضن والدته المرحومة الشيخة حصة بنت المر التي كانت لها مكانة خاصة في نفوس المواطنين لما اتصفت به من قوة في الشخصية والإرادة، وهي صفات ورثها عنها ابنها راشد وتأثر بها.

كانت دبي حينما رأى راشد النور لأول مرة، لا تزال في حالة حداد على المغفور له الشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم الذي تولى مقاليد الحكم في الإمارة في الفترة من




عام 1906 إلى 1912 كانت فيها دبي تعتمد بشكل كبير على تجارة اللؤلؤ كمصدر أساسي للدخل. وفي العام الذي ولد فيه راشد تسلم أبوه الشيخ سعيد بن مكتوم زمام الأمور في دبي. وطوال فترة حكمه التي امتدت حتى عام 1958 أدار الشيخ سعيد شؤون الإمارة باعتماده سياسة الدبلوماسية الناعمة بدلاً من أخذ الناس بالشدة والبطش، فقد عرف عن الشيخ سعيد تحليه بالبساطة وأنه كان رجلاً متديناً، الشيء الذي جعله محبوباً لدى الناس، وكان بساطته تتجلى في إيثاره الواضع للأشياء البسيطة شأنه في ذلك شأن البدو من رعيته، وكان عاشقاً لرياضة الصيد في صحراء دبي.

وهكذا وجد الشيخ سعيد نفسه بعد توليه سدة الحكم في الإمارة إزاء تحديات ومسؤوليات جديدة في وقت كانت دبي تنتعش كمركز تجاري، فانكب على تلك المسؤوليات انكباباً. أما الشيخ راشد الصغير فقد كانت أمه الشيخة حصة تهتم بقضاء أطول وقت ممكن معه فكان تأثيرها عليه كبيراً.

كانت علامات الذكاء تشع من عيني الشيخ راشد وهو بعد طفل يافع، وبدا ذلك جلياً من خلال ولعه بطرح الأسئلة على الكبار الذين أحاطوا به وبدت إمارات المسؤولية واضحة على شخصية الشيخ راشد منذ طفولته المبكرة، فهو لم يكن ميالاً للانغماس في اللعب واللهو كغيره من رفاقه الأطفال، ولعل تلك النشأة الجادة هي التي أضفت على شخصيته عندما كبر روح المثابرة والجدية.

وفي عام 1916 أنجبت الشيخة حصة بنت المر طفلاً آخر هو الشيخ خليفة بن سعيد ولم يكن الشيخ راشد حينها قد تجاوز الرابعة من عمره، فكان أن وجد راشد في أخيه الصغير خير رفيق فمنحه كل حبه ورعايته، وترعرعا معاً في كنف والدين أسبغا عليهما كل حنان وعطف، وتكفلاهما بالتربية كأحسن ما تكون التربية.




ومن عجب أن الشيخ راشد كان يبدي، رغم صغر سنه شغفاً للإستماع لما يدور من أحاديث في مجلس أبيه الحاكم، وكان مواظباً على الجلوس بجانب أبيه يصغى السمع للحوارات والآراء المختلفة دون ان يبدر منه ما يدل على الملل أو الضجر، فكانت تلك المجالس أشبه بالدورات التدريبية للفتى اليافع إذ تعلم منها الصبر وطول الأناة وبعد النظر وكثيراً من المعرفة.

ولما بلغ الشيخ راشد سن التعليم ألحقه والده بالكتاتيب إذ كانت تلك هي معاهد الدراسة الوحيدة المتوفرة في المنطقة آنذاك في وقت لم يكن فيه وجود لمدارس نموذجية، فتعلم في تلك الكتاتيب ما شاء له ان يتعلم من علوم الفقه واللغة العربية. ثم أرسل الشيخ سعيد ابنه راشد لتلقي التعليم النظامي في مدرسة الأحمدية في ديرة حيث نهل العمل من خيرة المعلمين في ذلك الأوان، فتفقه في العلوم الدينية إلى جانب علوم اللغة العربية والتاريخ والحساب والجغرافيا. وكان الشيخ راشد أصغر تلاميذ هذا المدرسة والتي كانت المدرسة الوحيدة في دبي.

نشأ الشيخ راشد محباً لرياضة الصيد بالصقور والقنص تماماً مثل والده الشيخ سعيد، وقد جعلت هذه الهواية الشيخ راشد يزداد قرباً من والده بقية عمره، وقد تعلم الشيخ راشد من تلك الهواية الإستيقاظ مبكراً، وركوب الصعاب فلم يكن لحياة الدعة والراحة أي أثر عليه، وكان هو وأصدقاؤه يخرجون مبكراً إلى الصحراء بعيداً عن المدينة لتدريب الطيور استعداداً لفصل الشتاء ولرحلات القنص التي أصبحت من الأنشطة السنوية الرئيسية بالنسبة لآل مكتوم.

وتهيأت للشيخ راشد في تلك الرحلات الفرصة لمرافقة والده الحاكم حيث اكتسب منه بعض الصفات التي ساعدته فيما بع في إدارة شؤون الإمارة.

ولم ينقض العالم 1924 إلا وكان الشيخ راشد شخصية دائمة الحضور في مجلس أبيه الذي كان يضم علية القوم وأهل السياسة والإقتصاد. وفي تلك البيئة بدأت شخصية الشيخ راشد الرجل تتشكل حيث ساعده ذكاؤه الوقاد وحرصه الشديد على الإلمام بأمور السياسة ودهاليزها، ونما لديه حس تجاري كبير وعليه لم يكن غريباً ان يعرف الشيخ راشد لدى الناس بـ (الشاب الجاد) لم اتسم به من صراحة وجدية في التعامل مع كثير من القضايا حتى انه كان يتبنى مواقف وصفت حينها بأنها راديكالية.

وقد جعله حسه التجاري الطاغي يبرع في مزاولة التجارة كما سيبرع بعدها في السياسة على نحو ما سنرى لاحقاً. واستطاع الشيخ راشد بحنكته وحسه التجاري ان يصبح ثرياً وهو بعد في منتصف العشرينيات من عمره.
ثم كان ان ضرب المنطقة كساد عظيم أدى إلى انهيار اقتصاد ساحل الإمارات المتصالحة بسبب ما أصاب تجارة اللؤلؤ الطبيعي من بوار إثر ظهور اللؤلؤ الصناعي.
ولما اشتدت الأزمة الإقتصادية واستحكمت حلقاتها على البلاد لم يجد الشيخ سعيد مناصاً من ان يوكل لأبنه راشد مسؤولية التعامل مع الأزمة دون ان يبخل عليه بالنصح والمشورة متى لزم الأمر. وفي حقيقة الأمر فإن تدهور تجارة اللؤلؤ منذ ثلاثينيات القرن الماضي تسببت في مشاكل لا حصر لها لمن يعملون في تلك التجارة وخصوصاً ربابنة السفن والغواصين الذين غرقوا في الديون والمشاكل.
وقد تجلت براعة الشيخ راشد في إدارة الأزمة في موقفه الثابت إزاء الفوضى التي كانت تظهر بين حين وآخر مع انتشار أعمال السلب والنهب في صيف عام 1938. وقد عرفت تلك الفترة من أواخر ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي بسنين القحط فهي الفترة التي شهدت اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وبدت قدرات الشيخ راشد في إدارة شؤون الحكم أكثر ما تكون وضوحاً إبان الحصار الإقتصادي الذي فرضه البريطانيون، الذين كانوا جزءاً من دول الحلف، على إيران التي كانت تساند دول المحور في تلك الحرب، ولإحكام الحصار على إيران فرض البريطانيون على دبي حظراً على استيراد وتصدير المواد الغذائية حتى لا تجد طريقها إلى ايران. وما كان أمام الشيخ راشد في مواجهة هذا الموقف إلا ان يسعى لتوفير المواد الغذائية الأساسية لرعاياه وبأسعار تتلاءم مع المستوى الإقتصادي للناس في ذلك الوقت، فكان أن أدخل نظام البطاقات الذي سمح للمواطن بالحصول على حصته الشهرية من المواد الغذائية له ولأفراد أسرته. واستعان الشيخ راشد في ذلك بأصحاب البقالات الذين تولوا مهمة توزيع تلك المواد بموجب الحصص الشهرية المذكورة في البطاقات.

فلا غرو ان يصبح مجلس الشيخ راشد، بعد ما أبداه من حسن تدبير وإدارة للأزمات على درجة من الأهمية لا تقل عن أهمية مجلس أبيه. وفي مجلسه ذاك ظهرت كفاءة الشيخ راشد في اتخاذ القرار الحاسم ومقدرته على الإقناع، الأمر الذي أكسبه شعبية كبيرة خاصة وسط شبان المدينة.
والى جانب هذه المهام، كان الشيخ راشد مؤازراً لأبيه في الشؤون السياسية الرئيسية، وكان مناصراً للسياسة التي جعلت من دبي أكبر الأسواق في المنطقة فقد كان يردد دوماً عبارة (ما هو مفيد للتجار، مفيد لدبي). وبفضل إدراك ووعي الشيخ راشد ومن خلفه والده الذي ظل يؤازره، بقيت أسواق دبي مزدهرة بالرغم من حالة الكساد التي عصفت بالمنطقة آنذاك. وقد بدأ واضحاً في الأربعينيات من القرن الماضي ان الشيخ راشد، بالرغم من أنه لم يتول مسؤوليات الحكم رسمياً إلا بعد عقدين من تلك الفترة، فقد كان يشارك بفاعلية في صنع القرار. ولم تمض سوى سنوات قليلة حتى كان الشيخ راشد يحظى باعتراف من داخل البلاد وخارجها بحسبانه الدعامة الأساسية للحكم في دبي.
كان التاسع والعشرون من مارس عام 1939 تاريخاً مشهوداً في حياة الشيخ راشد، يوماً سعيداً لدبي وأهلها إذ فيه احتفلت الإمارة كلها بزفاف ابنها الشيخ راشد إلى الشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان.
وقد حضر الإحتفالات التي أقيمت بهذه المناسبة شخصيات كبيرة وفدت من الدول المجاورة وجموع غفيرة من المواطنين جاءوا ليعبروا عن فرحتهم وتهنئتهم للشيخ سعيد والشيخ راشد.
وما لبث ان بدأت مظاهر الإنتعاش تظهر على دبي حيث وصفها الرحالة البريطاني الشهير (ويلفريد تسيجر) أثناء رحلته الأولى لها عام 1949 بأنها مدينة مزدهرة.
ولأنه كان يؤمن بالحكمة القائلة بأن البركة في البكور، كان يوم الشيخ راشد يبدأ باكراً حيث دأب على الإستيقاظ في الخامسة صباحاً. وبعد ان يؤدي فريضة الفجر يمتطي صهوة جواده أو ناقته ليتابع بنفسه سير العمل في المشاريع المختلفة، وذلك دون رفقة حرسه أو أتباعه. وواظب على هذه العادة حتى بعد ان امتلك السيارة. وبعد جولته هذه يعود إلى منزله لتناول وجبة إفطار خفيفة ثم يتوجه إلى مركز الجمارك بالمدينة والذي اتخذه الشيخ راشد مكتباً رسمياً لحاكم دبي حيث اعتاد الجلوس على كرسي خشبي، فكان ذلك المظهر المتواضع وهو جالس على ذلك الكرسي أمام ضيوفه أول ما يلفت انتباه أي زائر لمجلس الشيخ. وبعد نهار حافل بالعمل والإنصات إلى مظالم الناس ومطالبهم يعود الشيخ راشد عند الواحدة بعد الظهر إلى منزله لتناول طعام الغداء، قبل ان يخلد إلى قيلولة قصيرة، ثم يستأنف نشاطه عند الرابعة بتفقد المشاريع والأعمال الجارية في المدينة. وفي المساء حين يعود إلى منزله ثانية يتهيأ الشيخ لاستقبال المواطنين للوقوف على شكواهم في صبر وأناة. هكذا كان يقضي الشيخ راشد يومه وهو يوم كما يتضح زاخر بالعمل الدؤوب والنشاط الفياض.
وقد عرف عن الشيخ راشد ولعه بركوب الخيل وخاصة في فترة ما بعد الظهيرة. وعن هذه الهواية للشيخ يقول الصحفي البريطاني (جريم ويلسن) في كتابه (راشد بن سعيد آل مكتوم الوالد والباني) إنه كان لآل مكتوم آنذاك اصطبل به عشرون حصاناً بالقرب من حصن الفهيدي في دبي. وكان علاقة الشيخ راشد الحميمة بحصانه (الصقلاوي) حديث المدينة، وكانت أول سيارة يقتنيها الشيخ راشد في عام 1932.
ولعل أكثر ما كان يميز الشيخ راشد في مجلسه اليومي أنه كان يحرص على الإستماع بانتباه للمتحدثين الذين كانوا يدلون بآرائهم بحرية تامة ودون ان يقاطعهم الشيخ راشد. ولم يكن الشيخ راشد يحب ان يحاط بمن كانوا يوافقونه الرأي طوال الوقت، واتسمت المداولات والحوارات في ذلك المجلس بالجدية ومعالجة كل الأمور التي تهم المواطنين وقضايا التنمية والعمران.
ووصف جريم ويلسن مجلس دبي بأنه كان تقدمياً ولعب دوراً هاماً في تعزيز التنمية في دبي. ولم يكن الشيخ راشد ليتهاون مع المتقاعس ويجزل العطاء لكل من يثق به. ولا يظن امرؤ ان مجلسه كان قاصراً على الخاصة من المقربين بل كان بابه مفتوحاً لعامة الناس، فقد كانت عادة الشيخ راشد خلال شهر رمضان المبارك ان يقضي الليل كله في مجلسه لإستقبال المواطنين حتى صلاة الفجر.
ومن مجلسه هذا كان الشيخ راشد يستقر على خطط تعمير دبي، وكان يأنس بآراء أهل الخبرة ولا يعتد برأيه إذا رأى ان ثمة وجهة نظر أخرى هي الصحيحة فيأخذها بعين الاعتبار.
وينسب جريم ويلسن في كتابه لكمال حمزة، أول مدير لبلدية دبي والتي أنشئت عام 1957، قوله ان الشيخ راشد اعتاد ان يرسم المشروع على الرمال بعصاه، ثم يطلب من المهندسين ان يعدوا التصميم الهندسي بناءاً على الخطوط التي يحددها على الرمال، وكان يشير إلى المكان الذي يريد تشييد طريق ان بناية فيه، وكان المصممون يتتبعون الخطوط التي رسمها.
وبدأت مشاريع التنمية ترى النور في إمارة دبي، وبدأ الناس يجنون ثمار التخطيط المدروس بفضل النظرة الثاقبة للشيخ راشد الذي ما ن ينتهي من تخطيط وتنفيذ مشروع حتى يبدأ بالعمل في مشروع جديد. وتوالت الإنجازات والتي سنتحدث عنها بشيء من التفصيل في الأبواب التالية من هذا الكتاب.
وفي صبيحة العاشر من سبتمبر عام 1958 أسلم الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم حاكم دبي الروح إلى بارئها بعد تدهور حالته الصحية. وما ان ذاع الخبر حتى خيم الحزن على المدينة، وكان حزن الشيخ راشد على رحيل والده شديداً.
وبعد مراسم تشييع الراحل الشيخ سعيد رحمه الله تولى الشيخ راشد حكم إمارة دبي رسمياً بعد ان كان طوال العقدين اللذين سبقا ذلك الساعد الأيمن لأبيه في إدارة شؤون الحكم.


الشيخ راشد حاكما لدبي


نظمت دبي في الرابع من أكتوبر عام 1958 حفل تنصيب لحاكمها الجديد الشيخ راشد بن سعيد بن مكتوم آل مكتوم الذي تولى مقاليد الحكم في الإمارة بعد وفاة المغفور له والده.

وقد حضر مراسم التنصيب حكام الإمارات الساحل المتصالحة وشيوخها والمقيم السياسي البريطاني وعدة آلاف من المواطنين والأجانب المقيمين. وألقيت في الحفل كلمات بهذه المناسبة عبرت عما يكنه الناس للشيخ راشد من حب وتقدير.

ووجه الشيخ راشد كلمة شكر فيها الحاضرين على مشاعرهم النبيلة وقرأها نيابة عنه نجله الأكبر الشيخ مكتوم البالغ من العمر آنذاك خمسة عشر عاماً. وأكد الشيخ راشد في كلمته حرص دبي على التعاون مع إمارات الساحل المتصالحة الأخرى مؤكدا لأهالي دبي أنه سيعمل معهم من اجل تحقيق التنمية والازدهار لدبي.




ثم انصرف الحاكم الجديد لإدارة شئون إمارته بنفس الهمة والعزم ونفاذ البصيرة الذي عرف عنه. وما أن انقضت شهور قليلة من تسلمه زمام الأمور حتى أصدر مرسوما بتأسيس شركة الكهرباء وأمرا ببدء العمل الفوري في إنشاء مطار دبي ولعل إصرار الشيخ راشد على تأسيس شركة الكهرباء في وقت مبكر من اعتلائه سدة الحكم كان نابعا من إيمانه بضرورة توفير الخدمات الأساسية لسكان دبي الذين بلغ تعدادهم حينذاك حوالي ثلاثين ألف نسمة. وكان معظم الناس في المدينة يملكون مولدات خاصة بهم. وبالفعل تم إنشاء شركة الكهرباء العامة في عام 1959 وحصلت دبي على أول إمداد كهربائي في عام 1961. واستشعارا منه بأهمية هذا المرفق الحيوي كان الشيخ راشد يترأس مجلس إدارة الشركة شخصياً.

ونقل جريم ويلسن في كتابه عن أحد المواطنين الذين كان يثق بهم الشيخ راشد قوله ان حاكم دبي ذكر له ( ان دبي تحتاج إلى بنية أساسية للمحافظة على موقعها كعاصمة تجارية للمنطقة، وهو أمر أصبح أكثر صعوبة خاصة مع دخول بعض دول المنطقة عصر النفط).

إن زعيما بهذه الرؤية المتطورة والقراءة المتمعنة للواقع قادر ولا شك على قيادة رعيته إلى مرافئ الرخاء والازدهار وهذا بالضبط ما سعى إليه الشيخ راشد واستطاع تحقيقه في خاتمة المطاف. ومن بين أهم منشآت البينة التحتية والخدمات الأساسية التي عمل الشيخ راشد على إقامتها مشروع توفير المياه العذبة لدبي، وقد بدأت الخطوة الأولى في هذا المشروع بإبرام حكومة دبي اتفاقية مع قطر في عام 1959 قامت بموجبها هذا الأخيرة بالتمويل وتزويد دبي بعدد من الخبراء للإشراف على مشروع للتنقيب عن المياه وبدأت الشركة القطرية المشرفة على المشروع أعمال المسح الجيولوجي للتأكد من جدوى بئر منطقة العوير وكفايتها لسد احتياجات دبي من المياه وتبين في النهاية أنها قادرة على إرواء ظمأ دبي، وفي غضون أشهر قليلة من ظهور النتائج الإيجابية للمسح الجيولوجي تم مد الأنابيب الأسمنتية على جناح السرعة.

ولأن الشيخ راشد كان يؤمن بحرية السوق فإنه لم يمارس إلا بعض الضغط على أصحاب الأملاك لكي يخفضوا الإيجارات. وكان أن وضع الشيخ راشد مسألة حل مشكلة الإسكان ضمن أولوياته، فقام بإنشاء دائرة الأراضي والأملاك في عام 1960 وأسند رئاستها لأكبر أنجاله وهو الشيخ مكتوم بن راشد.

وأجمع مخططو البناء على اختيار منطقتي السطوة والكرامة كموقعين مناسبين لتشييد مساكن فيهما. وقرر الشيخ راشد إعطاء الأولوية لبناء مساكن منخفضة الإيجار، وكان يتابع بنفسه سير العمل في هذه المشاريع.

ولم يكتف الشيخ راشد بذلك بل كان يجتمع برجال الأعمال والتجار ويحثهم على بناء مساكن، وكان يقدم القروض لأولئك الذين كانوا بحاجة إلى تمويل لبناء مساكن وشقق سكنية، وقام بتوزيع قطع من الأراضي في السطوة على المواطنين لاقامة مساكن عليها. وكان لهذا النشاط الجم في قطاع الإسكان مردوده الإيجابي على حركة السيولة المالية في السوق مما ساعد في تنشيط الاقتصاد.
وشهد عام 1950 إقامة أول مستشفى حديث، ليس في دبي وحدها بل في كل إمارات الساحل المتصالحة، وأطلق عليه اسم مستشفى آل مكتوم، وكان هذا أول مشروع يرعاه الشيخ راشد. وكان المستشفى عندما أنشئ يتسع لـ (38) سريرا فقد وازدادت سعته لتصل إلى 106 أسرة في عام 1968، وحظى المستشفى بدعم من جميع إمارات الساحل الذين أصبحوا أعضاء في هيئة المستشفى، وهكذا أصبح المستشفى مرفقا هاما لا يقدم الرعاية الصحية للأهالي فحسب بل بات منشأة تجسد تطلعات أهل المنطقة لوحدة كُتب لها ان تتحقق في العام 1971 على أيدي صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وصاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وإخوانهما أصحاب السمو حكام الإمارات الأخرى.
وفي عام 1960 أمر الشيخ راشد بإنشاء شركة التليفون والبرق واللاسلكي جنباً إلى جنب مع شركة كهرباء دبي، وكان يمارس إشرافا دقيقا على شركة التليفون باعتباره رئيسا لمجلس إدارتها.
وفي خطوة تدل على حسن تدبيره وعقليته الاقتصادية أصدر الشيخ راشد في عام 1963 مرسوما بتأسيس أول بنك وطني، هو بنك دبي الوطني المحدود، برأسمال قدره مليون جنيه إسترليني بعد ان كانت التعاملات المالية والمصرفية حكرا على المصارف الأجنبية. فقد كانت دبي قبل مجيء المصارف الأجنبية إليها تفتقر إلى وجود مؤسسة مالية من هذا القبيل، وكان التجار يحتفظون بأموالهم في
صناديق حديدية.


وكان الشيخ راشد مدركا لذلك الواقع وموقنا بأن وجود نظام مصرفي حديث سيعزز صورة دبي كمركز تجاري في المنطقة فسعي لجذب مصرف ذي سمعة جيدة ونجح في ذلك حيث استطاع في 5 يناير 1954 إبرام اتفاقية مع (امبريال بانك أوف إيران) الذي عرف فيما بعد باسم (البنك البريطاني للشرق الأوسط).
واشترط الشيخ راشد ان يدرج في الاتفاقية بند يلزم البنك البريطاني بتوظيف مواطني دبي.
وحظي التعليم في عهد الشيخ راشد باهتمام بالغ إيمانا منه بأهمية التعليم في تحقيق أهداف دبي في التنمية. وفي بداية فترة حكمه لم تكن المدارس النظامية قد انتشرت وكانت (الكتاتيب) تقوم مقام المؤسسات التعليمية وقد كانت منتشرة في جميع أرجاء المنطقة آنذاك. وكما هو معروف فان الكتاتيب كانت تركز على تدريس القرآن واللغة العربية والحساب بشكل أساسي. ولقد أولى الشيخ راشد رعاية خاصة لمدرسة الأحمدية، وهي أول مدرسة نظامية عرفتها دبي، وتكفل بمصاريفها منذ عام 1954 وكان يحرص على تقديم الدعم المادي لعدد من أبناء دبي الذي التحقوا بمدارس قطر، وقام بتخصيص جزء من قصره كمدرسة سميت بالمدرسة السعيدية.
ومع بداية عهده إفتتحت خمس مدارس هي : المدرسة السعيدية للبنين في عام 1958، ومدرسة (خولة بنت الأزور الابتدائية للبنات ومدرسة الخنساء الابتدائية للبنات ومدرسة آل مكتوم الابتدائية للبنين (1958/1959)، ومدرسة الشعب المتوسطة للبنين (1959/1960).
وبعد توليه رئاسة مجلس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1979 أكد الشيخ راشد على اهتمام حكومته بالتعليم مشيرا إلى ان هذا الاهتمام يأتي إدراكا من الحكومة بأهمية التنمية البشرية، وسعيا منها لبناء جيل من الكوادر الوطنية المؤهلة علميا والقادرة على النهوض بتنمية البلاد (راجع مجموعة الخطب في ملحق الكتاب).
وفي ستينيات القرن الماضي توجه الشيخ راشد إلى القاهرة لاستجلاب مدرسين من أجل البدء في تنفيذ برنامج تربوي واسع. ومن المواقف الدالة على بعد النظر اهتم الشيخ راشد بتطوير التعليم المهني إدراكا منه للحاجة إلى تدريب القوى العاملة. فقد أنشئت مدرسة تجارية في الشارقة عام 1958 وكانت تقبل طلابا من دبي وبعد ذلك بسنوات، وتحديدا في عام 1964، افتتحت المدرسة التجارية والصناعية في دبي.
وبمقتضى مرسوم أميري صدر في أواخر الستينيات عُين الشيخ محمد بن راشد بن سعيد آل مكتوم رئيسا للشرطة والأمن العام في دبي من أجل تطوير جهاز الشرطة وتقويته ليكون مواكبا لحركة التعمير والبناء التي عمت الإمارة.
ولاستكمال مؤسسات العمل العام أصدر الشيخ راشد توجيهاته بتأسيس دار القضاء بمنطقة البطين ببر دبي، وفي عام 1959 انتقلت المحاكم إلى قلعة نايف التي كانت تضم الشرطة والسجون. كما أصدر حاكم دبي القوانين والمراسيم الحكومية والضوابط المنظمة للعمل القضائي.
وفي عام 1971 أصدر الشيخ راشد أمره للشيخ محمد بن راش بإنشاء قوة للدفاع بإمارة دبي. وقد تم دمج القوات المسلحة في الإمارات دمجا اتحاديا عام 1976، وتولى الشيخ محمد بن راشد وزارة الدفاع وتغير مسمى قوة دفاع دبي إلى مسمى المنطقة العسكرية الوسطى.


فلسفته في الحكم


استطاع الشيخ راشد على مدى اثنين وثلاثين عاما، هي مدة حكمه، ان يصنع من دبي مدينة عصرية تقارع كبريات مدن العالم حداثة وعصرنه، وساهم كذلك في تأسيس إتحاد الإمارات العربية المتحدة بفكره وجهده حتى باتت الإمارات العربية المتحدة دولة تتبوأ مكانة مرموقة بين دول العالم. وما من شك أن رجلا تلك إسهاماته لم يكن حاكما عاديا. فقد كان الشيخ راشد طوال فترة حكمه لدبي وتقلده منصب نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، ينطلق في إدارة شئون الحكم من فلسفة بسيطة وواضحة. فقد كان يجمع بين النظرة التقدمية الواعية وحصافة التاجر، وله رؤيته الخاصة لمفهوم الديمقراطية اذ كان يقول (ان مفهومنا للديمقراطية هو خدمة أبناء شعبنا، وإعطاؤهم الفرصة الكاملة للمشاركة في بناء بلدهم، والكل سواء).

وقد كرس هذا الفهم المتقدم للعمل العام طابعا مميزا للعلاقة بين الحاكم والمحكوم. فلا غرو ان كان أفراد الشعب على اتصال مباشر بحاكمهم يعرضون عليه مظالمهم ويصغي هو إليهم باهتمام.

وقد عرف عن الشيخ راشد بساطته وتواضعه وهما خصلتان استلهم منهما أسلوبه المتميز في إدارة شئون الحكم وتمثل هذا التواضع في أنه لم يكن يدعي عصمة من الخطأ ولا تكبرا وترفعا يبعده عن رعيته. فقد كن يقول (إننا ندعو المواطنين إلى التعاضد والتماسك والتعاون مع المسئولين إلى أساس المصارحة والصدق في القول، فنحن لا ندعي العصمة من الخطأ، إذ أن شعارنا الأول في تحمل المسئولية هو المزيد من العمل المنتج الهادف، ومن لا يعمل هو وحده الذي لا يتعرض للخطأ).


خصاله ومآثره

إذا كان لرجل واحد فضل على مدينة بأسرها فذلك الرجل هو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وتلك المدينة هي دبي، ويحق لنا القول هنا (إن وراء كل مدينة عظيمة رجل عظيم).

ويحدثنا تاريخ البشرية ان من يصنعون التاريخ من الرجال يملكون من الصفات والمآثر ما يجعلهم يقودون ركب الحضارة والتقدم في بلدانهم، والشيخ راشد من تلك الفئة من الرجال فقد كانت خصاله ومآثره وصفاته مدعاة لإعجاب وتقدير كل من تعامل معه أو عاصره من الناس فقد كان الشيخ راشد قنوعا في حياته الخاصة، متواضعا وزاهدا في مظاهر الأبهة والدعة، تقيا من غير تصنع، بسيطا في ير تكلف.

اتصف الشيخ راشد بطول القامة، والملامح القوية، والعينين الواسعتين اللتين يشع منهما ذكاء وقاد. وعرف عنه أنه صاحب ذاكرة حادة، فقد كان كل من يتعامل معه 






يعرف فيه هذه الصفة ولهذا كانوا يتوخون الحذر والدقة في إجاباتهم على أسئلته لأنه كان يعيد نفس الأسئلة من وقت لآخر على الذين كلفهم بقضاء بعض المهام.

وعن تواضعه الجم يقوم أحد رجالات دبي الذين عاصروا الشيخ راشد (لم يكن رحمه الله يحب أن يميز عن الناس ويعامل معاملة خاصة، ولان تواضعه أصيل وفطري كان يغضب ان يتكلف الناس في التعامل معه).

وتجلت بساطته في أنه ظل يعيش طوال حياته بين أفراد شعبه من غير حراسه وبدون بروتوكولات تضع حاجزا بينه وبينهم، فكانت تلك البساطة من بين الأسباب التي جعلته قريبا من رعيته فأحبوه لذلك وأخلصوا له. وكان محبا لفعل الخير سخيا في بذل المال لكل ذي حاجة، مترفعا عن المظاهر، عادلا في الحكم بين الناس. وفي ذلك يقول معاصروه إنه كان عادلا حتى إذا جاءه شخصان بشكوى يستمع إليهما ويعاقب المخطئ ويأخذ للمظلوم حقه بطريقة مثالية.



ولقد كان الشيخ راشد مسلما تقيا ورعا، ويواظب على أداء الصلوات في أوقاتها، ومع ذلك كان رجلا سمحا جُبل على التسامح والحرص على إقامة علاقات وثيقة بالجاليات الأجنبية المقيمة في دبي على مختلف جنسياتها. وقد أشاع تسامحه الديني مناخا من الوئام فعاش الناس على اختلاف دياناتهم وجنسياتهم في سلام وأمان في دبي. ولم تعرف دبي ما عرفته مجتمعات خليجية أخرى من مشاكل وسط أفراد المجتمع المحلي نتيجة تدفق الأجانب. وما جلبوه من ثقافات وأديان أخرى. وبرغم تسامحه هذا لم يكن الشيخ راشد ليتهاون في اتخاذ موقف صارم عند الضرورة من أجل وضع الأمور في نصابها.

وكان الشيخ راشد يقدر قيمة الأدب، وأبدى إعجابه بالمكتبات الكبرى التي شهدها في طهران وبومباي ولندن أثناء زياراته لتلك المدن وكان يردد في أكثر من مناسبة قوله بضرورة السماح للناس بتثقيف أنفسهم.

وذكر جريم ويلسن في كتابه أن الشيخ راشد طلب من وزراء التربية والتعليم في الدولة العربية، في سلسلة من الرسائل الشخصية التي بعث بها إليهم في عام 1962 وأوائل عام 1963، إرسال كتب جديدة أو قديمة لمساعدته في إنشاء مكتبه عامة الشيء الذي لم تكن حتى الدول الأكثر ثراءا وقتها قد سمعت عنه. وكانت استجابة الوزراء العرب رائعة فقد بعثوا إليه بشحنات ضخمة من الكتب وكذلك فعل البريطانيون والتجار الهنود والباكستانيون الذين زودوه بكتب بلغات مختلفة. وخلال عام واحد أصدر الشيخ راشد تعليماته بإقامة مبنى المكتبة في ديرة يطل على مدخل خور دبي. وفي عام 1963 افتتح الشيخ راشد مكتبة دبي العامة الجديدة متعددة اللغات، وكانت أول مكتبه في دول ساحل عمان المتصالحة.

ومن أكثر خصاله تجليا عقليته الاقتصادية الفطرية الفذة وحرصه على المكانة التجارية لدبي وتشجيع الأنشطة الاقتصادية وازدهارها. ويقول من عايشوه إنه كانت لديه القدرة على رؤية مالا يراه الآخرون، فقد كان يستشرف مستقبلا اقتصاديا طموحا للغاية يرى ان دبي مؤهلة له. وكان أحب شيء لديه هو رؤية مشروعات جديدة تقام، وكان حريصا على متابعتها أولا بأول لدرجة انه كان يزور المشروع عدة مرات في اليوم الواحد لتفقد سير العمل فيه، وبهذه العقلية استطاع راشد وبدأب شديد ان يحول دبي إلى أهم مركز تجاري في الشرق الأوسط ووضعها على خريطة مراكز المال والأعمال الدولية الهامة. وكان حريصا على أخذ آراء المختصين وأصحاب الشأن والتجار والمتابعة الدقيقة للخطط والمشروعات على نحو ما أشرنا إليه من قبل.

وللدلالة على قوة ذاكرة الشيخ راشد قال أحد معاصريه لجريدة البيان في عددها الصادر في 17 أكتوبر 1990 إنه كانت لديه قدرة فائقة في مجال التعامل مع الأرقام وحفظها (وكنا عندما نذهب إليه نضطر إلى الرجوع في بعض الأحيان إلى الملفات لموضوعات سابقة في حين أنه كان يتذكر كل شيء بدون الرجوع إلى أي ملفات).

وعن طريق إدارته للأمور يقوم أحد معاصريه ان صاحب السمو الشيخ راشد كان منفتحا للغاية للمناقشات، وكنا نراه ثلاث أو أربع مرات يوميا لبحث المواضيع التي تهم اقتصاد دبي وكان يشجع النقاش والحوار في مجلسه خاصة بين الذين على دراية متعمقة بالموضوع المطروح.

نصف قرن من الإنجازات


لم يكن الشيخ راشد بن سعيد، حينما تولى مقاليد الحكم في إمارة دبي عام 1958، بغريب على دهاليز السياسة ومطباتها. فقد شارك والده الشيخ سعيد في تسيير أمور الحكم منذ عام 1939 حيث كان وليا للعهد في وقت كان العالم، ومنطقة الخليج العربية على وجه الخصوص، يمر بأزمات اقتصادية طاحنة، فكان ان بدأ الشيخ راشد وهو ولي لعهد دبي ثم حاكم لها في الفترة من 1958 حتى 1990، في التصدي لتلك المعضلات بدراية وسعة أفق منقطعة النظير.




ولقد عملت دبي منذ أوائل القرن العشرين على ان تكون مركزا تجاريا لمنطقة الخليج، وظلت خلال السنوات التي أعقبت انهيار صناعة اللؤلؤ وما رافقها من كساد اقتصادي محتفظة بوعيها التجاري. غير ان اكتشاف النفط فيها بكميات تجارية هو الذي أحدث تلك النقلة الهائلة في دبي وفتح أمامها آفاقا جديدة مما جعلها واحدة من أكثر اقتصاديات العالم انتعاشا.


النفط والطفرة


كانت دبي قبل اكتشاف النفط تعتمد على التجارة وصيد الأسماك واللؤلؤ كمصدر أساسي للدخل، ثم تعرضت تجارة اللؤلؤ لكساد كبير في ثلاثينيات القرن الماضي بعد ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني وانتشار استخدامه على نطاق عالمي واسع. وكانت الغالبية العظمى من مواطني دبي يسكنون في بيوت من سعف النخيل ويعتمدون في غذائهم عل التمر والسمك واللبن. وفي حقيقة الأمر كان ذلك هو واقع الحياة في معظم أجزاء منطقة الخليج العربي قبل ان يشرق فجر صناعة النفط في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية.

وكانت دبي تعاني من عدة معوقات تحول دون تحقيق التنمية المنشودة وتمثلت تلك المعوقات في نقص المدخول والثروات، وعدم وجود رأس المال الاجتماعي، ونقص الموارد الطبيعية، والتخلف الاجتماعي والثقافي والإداري.




وكان الشيخ راشد مصمما على أن تصبح دبي إمارة نفطية خاصة بعد ان بدأت بوادر الانتعاش تظهر في اقتصاديات دول مجاورة مثل المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت، وبعد ان أظهرت تقارير جيولوجية مؤشرات إيجابية على وجود النفط في دبي، تم تشكيل شركة امتيازات البترول المحدودة في عام 1935 ومنحت حكومة دبي هذه الشركة امتياز التنقيب عن النفط في أراضيها في عام 1937 وذلك بعد مرور خمس سنوات على اكتشاف النفط في البحرين التي شهدت ازدهارا لم يسبق له مثيل. وأصرت دبي على توظيف مواطنين من دبي في الشركة. على ان اندلاع الحرب العالمية الثانية أوقف عمليات التنقيب عن النفط في دبي مما أجل دخولها عصر الازدهار النفطي.




ثم استؤنفت عمليات استكشاف النفط بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. ولم يكن الشيخ راشد، الذي كان يقوم آنذاك بالتفاوض بالنيابة عن أبيه، يشعر بالارتياح تجاه الشروط التي كانت تنص عليها اتفاقيات التنقيب عن النفط مع بعض دول المنطقة والتي تحصل بموجبها حكومات تلك الدول على عشرين بالمائة فقط من الأرباح.

وقد استطاع الشيخ راشد ببراعته التفاوضية ان يطالب بحصة متساوية من الدخل المحصل من النفط مناصفة مع شركة النفط الإنجليزية الإيرانية (أنجلوإيرانيان أويل كبماني). ولدهشة العاملين في صناعة النفط قبلت الشركة بشرط الشيخ راشد. ومع ذلك فان اكتشاف النفط في المناطق البرية لم يصادف نجاحا، فأوقفت الشركة الحفر وأعيد الامتياز إلى الحكومة في عام 1971.

على ان الجهود لاستكشاف النفط لم تتوقف حتى تم العثور على الذهب الأسود في المناطق البحرية وبالتحديد في حقل (فتح) في عام 1966 فكان ذلك إيذانا بدخول دبي عصر النفط. وقد اختار الشيخ راشد بنفسه اسم (فتح) لأول حقل نفطي ليكون بمثابة فاتحة خير على البلاد وشعبها. وكانت حكومة دبي قد أنشأت قبل ذلك شرطة نفط دبي (دي. بي سي) في عام 1963 وهي اتحاد قوي من الشركات الكبرى العاملة في هذا المجال تنضوي تحت لوائه شركة أميريكان كونتننتال (كونوكو) وشركة (كومباني فرانسيز دوبترول) بالإضافة إلى شركة (ربسول) الأسبانية وشركتي (آر دبليوتي – دى ئى إيه) و (وينترسول).

وبدأت دبي إنتاج النفط رسميا في السادس من سبتمبر عام 1969. وتم شحن اول ناقلة بالبترول في 22 سبتمبر 1969 بحمولة 180 ألف برميل. وفي التاسع من نوفمبر 1970 تم اكتشاف حقل النفط الثاني في جنوب غرب حقل (فتح) وبدأ إنتاجه في عام 1972. وتوالت بعد ذلك عمليات استكشاف النفط في دبي، فيما قام الشيخ راشد بإبرام اثنتي عشرة اتفاقية في الفترة ما بين أكتوبر 1982 ونوفمبر 1983.

وطالب الشيخ راشد في عام 1970 شركات النفط بأن تزيد حصة دبي من دخل النفط من 50٪ إلى 55٪ . وشهدت أسعار النفط ارتفاعاً هائلاً إبان الحرب السادس من أكتوبر عام 1973 والتي حقق فيها العرب انتصارهم المشهود على إسرائيل.


خور دبي


كان ميناء لنجة على الساحل الإيراني من الخليج يمور حركة ونشاطاً حتى أواخر القرن التاسع عشر، وكانت الإدارة الإيرانية تجني منها عوائد ضخمة من الضرائب التي تجنيها من السفن التي ترسو فيها، وفي عام 1902 أسندت الإدارة الإيرانية إلى موظفين بلجيكيين مهمة إدارة لنجة فقاموا بفرض لوائح ونظم تراخيص جديدة وضرائب أعلى، وكانت تلك التغييرات القشة التي قصمت ظهر البعير وأنذرت بموت الميناء.

ودفع انهيار ميناء لنجة الكثير من التجار إلى نقل أعمالهم التجارية إلى الضفة المقابلة للخليج العربي حيث دبي، وقد استفادت دبي من موقعها الجغرافي ومن انهيار ميناء لجنة فوفرت الجو التجاري الحر للتجار وأصحاب المهن والغواصين للعمل فيها إبان حكم الشيخ مكتوم بن حشر (1894 – 1906م) ولذلك فقد بدأت السفن التقليدية تزداد في ميناء دبي الطبيعي حتى اصبح في عام 1902 يستقبل البواخر بصورة مستمرة، ومن ثم اعتبر المركز التجاري الرئيس للساحل المتصالح، وكان خور دبي هو الشريان النابض في قلب المدينة حيث كانت ترسو فيه السفن لتفريغ حمولتها، وكانت القوارب الصغيرة تنقل البضائع من هذه السفن إلى ضفتي الخور ومباشرة إلى مخازن ومستودعات التجار التي تقع على الخور.

وبفضل هذا الخور أخذت دبي تستعيد نشاطها في أوائل الخمسينيات بعد فترة كساد سبقت ذلك مباشرة، ونظراً لمحدودية الأرصفة كانت المراكب الخشبية التقليدية الكبيرة تضطر إلى الرسو كل ثلاث جنباً إلى جنب في الخور الذي يبلغ طوله تسعة أميال، وكان الشيخ راشد يرى ان الإضطراب الناجم عن قلة عدد الأرصفة تسبب في التهرب من الضرائب التي كانت دبي في أمس الحاجة إلى عائداتها آنذاك.

ومن أجل تمويل عمليات المسح قامت حكومة دبي ببيع سندات مالية خاصة بخور دبي إلى التجار، كما قامت بتدبير قرض بمبلغ يساوي نصف مليون جنيه استرليني في عام 1958 / 1959 لتمويل أعمال الحفر في خور دبي، وما ان تقدمت شركة (هالكرو) بخطة ضخمة لإعادة تطوير الخور حتى شرع الشيخ راشد في مناقشة المهندسين حول المزايا النسبية لحوائط ودعائم الصلب واستخدام المتفجرات.

وكان مقدراً ان تصل تكلفة المشروع كله نحو 600.000 جنيه استرليني، وهو مبلغ فوق طاقة حكومية دبي ويساوي إجمالي الناتج القومي لمدينة دبي في ذلك الوقت لعدة سنوات فكان ان تفتق ذهن الشيخ راشد عن فكرة السندات المالية تلك والتي اطلق عليها اسم سندات الخور.

وبحلول عام 1959 كان العمل يجري على قدم وساق، والضجيج المنبعث من حركة الحفارات الميكانيكية والآليات الثقيلة والرافعات يقض هدوء المدينة الناعسة، وكان الشيخ راشد يزور مواقع العمل على الخور عدة مرات في اليوم للوقوف على سير تنفيذ المشروع، ولم يمض وقت طويل حتى كانت حكومة دبي تجني ثمار هذا المشروع حتى قبل ان يكتمل، فقد أمر الشيخ راشد باستخدام حصيلة الحفر من الصخور والطمي لردم المنطقة المنخفضة على جانبي الخور وخاصة الشريط الطيني المواجه لبر ديره، وهكذا توفرت اراضي جديدة على مستوى البحر في موقع من أهم مواقع المدينة، وأخذ الشيخ راشد يبيع مساحات واسعة من هذه الأراضي مستفيداً من عائداتها في تغطية جزء من تكاليف تطوير خور دبي.
ومع نهاية عام 1960 كانت شركة (هالكرو) قد فرغت من تنفيذ مشروع تحسين مرفأ دبي، وأصبح الخور قادراً على استقبال سفن ذات غاطس بعمق ثمانية أقدام، وتحقق أمل الحكومة في ان تؤدي عملية توسعة الخور وتطوير البنية الأساسية للمرفأ إلى بروز دبي كمركز تجاري رئيس على طول الساحل المتصالح.
وحقق المشروع نجاحاً باهراً وزادت عوائد الرسوم الضريبية، وكان هذا المشروع هو أضخم مشروع تنموي شهده الساحل المتصالح حتى ذلك الحين.
وكانت الخطوة التالية التي قرر الشيخ راشد اتخاذها هو إنشاء جسر يربط بين دبي وبر دبي حيث كان من الصعب جداً الطواف حول الخور لذلك أراد ان يربط بين طرفي المدينة بطريق معبد يسهل السير عليه، وبدأت الأشغال في بناء جسر المكتوم ذي الاتجاهين بعد ان نجح الشيخ راشد في الحصول على قرض بقيمة 190.000 جنيه استرليني، وانتهى العمل في بناء أول جسر يربط ديره ببر دبي في عام 1962، وقام الشيخ راشد بافتتاحه في ذلك العام معلناً بداية مرحلة جديدة من الحياة التجارية في المدينة.


ميناء راشد


في مطلع الستينيات، ومع توسعة خور دبي أخذ مستوى المعيشة في مدينة دبي في التحسن بفضل توفير المرافق الأساسية، وزادت مع هذا التحسن في المعيشة حركة الملاحة في الخور، الأمر الذي أحدث اضطراباً في المرور عبره، وقد وصل متوسط عدد السفن التي تدخل دبي في أواخر الستينيات 4000 سفينة في السنة، وكانت السفن عابرة المحيطات ترسو في الخليج بعيداً عن شاطئ دبي حيث يجري تفريغها وشحنها بواسطة صنادل تجرها القاطرات.

ولهذا فقد اقتنع الشيخ راشد بضرورة إنشاء ميناء حديث كبير الحجم يتناسب مع تطور وتوسع المدينة، فقام بتكليف الخبراء بإعداد دراسة جدوى حول إنشاء ميناء في المياه العميقة، وبحلول عام 1967 كان المهندسون المصممون يقومون برسم مخططات ميناء في منطقة الشندغة التي اختيرت لعمق مياهها ولوجودها على مقربة من مدخل الخور. وقد وُضع التصميم الأول بحيث يتألف الميناء من أربعة أرصفة قادرة على استقبال السفن عبارة المحيطات وناقلات البترول، وأُطلق على الميناء اسم (ميناء راشد) وكانت الأعمال الإنشائية لهذا الميناء هي أكبر أعمال إنشائية شهدتها دبي حتى ذلك الحين، ولكن قبل الانتهاء من جميع أعمال الإنشاء أعطى الشيخ راشد أمراً مفاجئاً بإنشاء ستة عشر رصيفاً بدلاً من أربعة.

وعندما افتتح حاكم دبي ميناء راشد في أكتوبر عام 1971، أي بعد خمس سنوات من بدء أعمال الحفر الهندسية، تبين ان القرار الذي كان الشيخ قد اتخذه بزيادة عدد الأرصفة كان قراراً عبقرياً بالفعل، فبحلول موعد الافتتاح كانت الأرصفة محجوزة بالكامل.

وفي فبراير عام 1976 بدأت مرحلة جديدة في تطوير الميناء، إذ أضيف عشرون رصيفاً بما فيها خمسة أرصفة مخصصة للحاويات تستقبل أكبر السفن حجماً، كما تم توسيع منطقة التخزين إلى ثلاثين ألف متر مربع، بما في ذلك منطقة متطلبات التخزين الخاصة التي أصبحت تضم أربعمائة ثلاجة.

كما قامت حكومة دبي بتطوير ميناء الحمرية عام 1975 لكي خدم سفن البوم والسفن الخشبية التي تنتقل على ساحل الخليج.


الميناء الصناعي بجبل علي

استيقظ البريطاني نيفيل ألن، الذي جاء إلى دبي عام 1958 كممثل لشركة هالكرو، في الساعة الخامسة من صبيحة أحد الأيام في منتصف سبعينيات القرن العشرين على رنين الهاتف، وجاءه صوت على الطرف الآخر لأحد رجالات الشيخ راشد يخبره بأن حاكم دبي يريد ان يراه على قمة تل صغير قرب قرية جبل علي، وانزعج ألن من الطلب المفاجئ فأسرع إلى حيث التلة الصغيرة ووجد الشيخ راشد وبعض المسئولين في انتظاره، فأشار الشيخ راشد بيده ناحية الساحل القريب قائلا: (هناك ... أريد إنشاء الميناء) وبطريقته الخاصة شرح لألن فكرته ثم طلب في حينها معرفة التكلفة التقديرية للمشروع فأعطاه ألن رقما تقريبيا بتكلفة المشروع تحت إصرار الشيخ راشد الذي أمره بالبدء في العمل في هذا المشروع ويصف نيفيل ألن الشيخ راشد بأنه كان إنسانا ذكيا  بدرجة غير عادية ويعمل بسرعة البرق، وكان الشيخ راشد دائما يقوم إنه يريد أن يبني ميناء كبيرا جدا على غرار ميناء الجبيل أو ميناء ينبع السعوديين، وكانت فكرته لبناء ميناء صناعي لأن ميناء راشد مختص في التعامل بشحنات البضائع المستوردة للاستخدامات المدنية.

وقد استغرق الأمر أربع سنوات وتحديدا حتى الثاني من أغسطس عام 1976، عندما تم حفر الأرض تمهيدا لإنشاء ميناء جبل علي وانتهى العمل من إنشاء أول رصيفين خلال ثمانية عشر شهرا وقد عمل الميناء بكامل طاقته في يونيو 1979 وهو يقع على بعد خمسة وثلاثين كيلو متراً من مدينة دبي ومائة وعشرين كيلو متراً من مدخل الخليج، وفي حقيقة الأمر كان الشيخ راشد يشعر بان منطقة جبل علي يمكن ان تصبح أقرب إلى المدينة في حالة توفر وسائل المواصلات والطرق الجيدة، وفي نفس الوقت هي بعيده عن المدينة بما فيه الكفاية لأن تكون منطقة تصنيع من أجل جذب مزيد من الأعمال التجارية إلى الإمارات، ومرة أخرى تثبت الأيام ان الشيخ راشد كان على حق تماما عندما اختبار منطقة جبل علي لإقامة ميناء صناعي فيها وبعد ان بدأ الميناء العمل دخلت التنمية الصناعية في طور التنفيذ على قطعة من الأرض تبلغ مساحتها حوالي 5000 كم خصصت لهذا الغرض بالقرب من الميناء فنشأت شركات صناعية كبيرة مثل شركة ألمونيوم دبي (دوبال) التي تعتبر اليوم واحدة من أكبر شركات إنتاج الألمنيوم في العالم ومصورا من مصادر العملة الأجنبية للدولة وشركة غاز دبي (دوغاز) ومصنع للأسمنت ومصنع لأساسيات البناء من الحديد والصلب ومصنع كابلات الكهرباء ومحطة للكهرباء وغيرها من منشآت، ووفرت المنطقة الصناعية عددا كبيرا من الاتصالات السلكية واللاسلكية والماء والكهرباء، وتمت الاستفادة من الحرارة العالية الناتجة عن صناعة الألمنيوم في تشغيل محطة كبرى لتحلية المياه تنتج نحو 35 مليون جالون من المياه العذبة، (دوغاز) بتكلفة قيمتها 400 مليون دولار، وهي اليوم واحدة من أهم المؤسسات الصناعية في منطقة الخليج، والتي أنشئت بمرسوم من حاكم دبي عام 1977، وفي نفس السنة أمر بإنشاء شركة دبي للكابلات (دوكاب) في نفس المنطقة بكلفة 22 مليون دولار واعتبرت الميناء منطقة حرة، وهي الأولى من نوعها في منطقة الخليج وتتمتع البضائع التي تصل جبل علي بقصد إعادة التصدير أو العبور بإعفاء جمركي كامل بالإضافة إلى الإعفاء من رسوم العبور وفترة طويلة من التخزين المعفي من الرسوم.

وما كاد الناس يفيقون من الدهشة التي صاحبت قرار الشيخ راشد بإنشاء ميناء جبل علي حتى فاجأهم بعد أسابيع قليلة بمشروع آخر هو بناء الحوض الجاف الذي كان أحد الأحلام التي كانت تراود الشيخ راشد لاستكمال البنية الأساسية لدبي ونبعت الحاجة لبناء هذا الحوض بعد تزايد الملاحة على ميناء راشد مما جعل وجود حوض لإصلاح السفن وصيانتها أمرا ضروريا وقام الشيخ راشد بالتوقيع على اتفاقية إنشائه في أواسط شهر مايو عام 1972 وفي عام 1979 تم افتتاح الحوض الجاف الذي أشتمل على ثلاثة أحواض يستوعب واحد منها سفنا حمولتها مليون طن وأسندت رئاسة تلك المنشأة إلى الشيخ محمد بن راشد، ويعد ميناء جبل علي الذي انتهى العمل فيه بالكامل عام 1981 أكبر ميناء في الشرق الأوسط ليضيف بذلك الشيخ راشد إنجازا جديدا لسجل إنجازاته العديدة فقد قال حاكم دبي مرة عن مشروع ميناء جبل علي : (إن إقامة هذا الميناء يأتي تمشيا مع خططنا لجعل هذا البلد مركزا له شأنه في المجتمع العالمي، ولكي نحول بلدنا من بلد يعتمد على التجارة فقط إلى مركز يساهم في الصناعات العالمية المتطورة ويسهل السبل أمام هذه الصناعات لتمضي قدما في خدمة الإنسانية ومجالات الحياة المختلفة).

ويصف جريم ويلسن في كتابه (راشد بن سعيد آل مكتوم الوالد والباني) ميناء جبل علي بأنه أضخم ميناء من صنع الإنسان وثاني أضخم مشروعين أنجزهما الإنسان على وجه الأرض بعد سور الصين العظيم. 


جداف دبي

لعبت النظرة الثاقبة للشيخ راشد دورا هاما في تنشيط جداف دبي الذي يقع على بعد 1500 متر تقريبا من جسر القرهود، وهو جزء من خور دبي، فقد كان حاكم دبي مدركا للأهمية الإستراتيجية لهذا الموقع الذي يشكل حوضا طبيعيا مع نهاية خور دبي، فأصدر مرسوما أميريا بإنشاء جداف دبي.

وقد افتتح المشروع رسميا عام 1978م وبلغت تكلفته 45 مليون درهم وعلى الرغم من أنه أنشئ أساسا ليكون مكانا لإصلاح وصيانة السفن الخشبية وقوارب الصيد إلا أنه شهد توسعا سريعا على مر السنين ليثبت نظرة الشيخ راشد في أهمية هذا الموقع الذي يمكن الوصول إليه برا عن الطريق الرئيسية المؤدية إلى جسر القرهود في بر دبي، وقد أصبح الجداف حاليا قادرا على استيعاب كافة أنواع السفن اعتبارا من الزوارق واليخوت الصغيرة ومرورا بسفن البضائع وانتهاءً بزوارق الإمداد والسفن العاملة في مجال النفط.




رحيله


كان الشيخ راشد شخصية عامة محبوبة جبلت على العمل وفعل الخير، فاكتسبت احترام الجميع، ولما بلغ الثامنة والسبعين من عمره عند نهاية ثمانينيات القرن العشرين وداهمه المرض كانت دولة الإمارات العربية المتحدة قد تجاوزت مراحل التأسيس الأولى، وبدأت انطلاقتها القوية نحو مستقبل أكثر إشراقاً، وشارك هو في وضع لبنات البناء الأولى مع صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانهما أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات.

وفي الساعة العاشرة من مساء يوم الأحد الثامن عشر من ربيع الأول عام 1411هـ، الموافق للسابع من أكتوبر عام 1990م، أسلم الشيخ راشد الروح إلى بارئها بعد أعوام حافلة بالإنجازات والتحديات.

وما أن أُذيع نبأ الوفاة حتى عم الحزن أرجاء الإمارات العربية المتحدة كافة، واتشحت مدنها وقراها بالسواد، وتوالت ردود أفعال قادة دول العالم وطفقت الصحف وأجهزة الإعلام المختلفة تعدد مآثر فقيد الإمارات الكبير وتتناول سيرة حياته ومنجزاته بالعرض والتحليل، فقد نعاه ديوان صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة إلى شعب الإمارات العربية المتحدة والى أبناء الأمة العربية والإسلامية، وقرر إعلان الحداد وتنكيس الأعلام لمدة أربعين يوماً وتعطيل الوزارات والدوائر لمدة ستة أيام،

كما نعاه ديوان نائب رئيس الدولة ودواوين أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، وانهمرت برقيات التعزية على صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من كل ملوك وزعماء الدول العربية والإسلامية والأجنبية.

وقد رثاه صاحب السمو رئيس الدولة حيث قال عن الفقيد : (كان رجلاً باراً من رجالات هذا الوطن وفارساً مغواراً من فرسانه ورائداً من رواد وحدته وبناة حضارته، وإذا كانت قد انتقل إلى مثواه الأخير فإن ذلك لا يعني ان يغادر ذاكرتنا أو حياتنا بل سيبقى رحمه الله خالداً في القلوب وفي المقدمة بين الذين يزخر تاريخهم بجلائل الأعمال).

ونقلت وكالات الأنباء والصحف المحلية والعالمية النبأ فذكرت وكالة رويترز ان الشيخ راشد (لعب دوراً بارزاً في إنشاء الدولة الاتحادية .. وكان شخصية نشطة اعتاد ان يستيقظ مع شروق الشمس ويجلس إلى مكتبه في الثامنة صباحاً بعد ان يكون قد أدى صلاة الصبح).
وقالت صحيفة (الإندبندنت) البريطانية ان الشيخ راشد ترك خلفه إمارة حديثة بمعنى الكلمة تضاهي هونج كونج أو سنغافورة.
وأبرزت محطات التلفزة البريطانية في تقارير خاصة دور المغفور له صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في تأسيس مسيرة دبي الحديثة التي أقامها على العلم والنهضة المعاصرة وفتح أبوابها لرياض العصر حتى أصبحت عاصمة تجارية حضارية للتجارة الحرة، وأخذت مكانتها البارزة على ساحة العالم.
وقد نقلت وكالة فرانس برس الرأي القائل بأن الشيخ راشد قد رحل بعد أن بلغت الأعمال التجارية في دبي درجة تجعلها مرشحاً قوياً يحل محل هونج كونج في القرن الحادي والعشرين.
على أن رد الفعل الإستثنائي حقاً جاء من نيويورك ومن مقر منظمة الأمم المتحدة بالتحديد، فقد كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة منهمكة في مداولات حول اقتراح يتعلق بفلسطين عندما بلغها نبأ وفاة الشيخ راشد، فوقف الحاضرون في الجمعية العامة ومجلس الأمن دقيقةً حداداً على روح المغفور له الشيخ راشد.
وقالت صحيفة الإتحاد الظبيانية في عددها الصادر يوم 8 أكتوبر 1990 إنه بوفاة الشيخ راشد تنطوي صفحة مجيدة من تاريخ إماراتنا الحافل بالأمجاد التي سجلها قادته بوحدة صفهم وسداد رأيه وصدق عزمهم وقوة عزيمتهم، وأضافت الصحيفة قائلة (لقد كان راشد رحمه الله دائماً في المقدمة مع إخوانه من البناة الأوائل لحاضر الإمارات ومستقبلها، مستلهماً من تراثها الأصالة ومن ماضيها القدوة، فسار هو وأخوه صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة على هدى الأجداد يعبران جسر التواصل زاده الأمل ورفيقه الطموح وسلاحه الإعتماد على الله وقوة الإرادة وهمه الشعب).
أما صحيفة البيان فقد علقت على ما حدث في الأمم المتحدة بعد ذيوع خبر الوفاة قائلة : ( لم يكن غريباً أن يقف مندوبو دول العالم بالجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الأول (9 أكتوبر 1990) حداداً على رجل مثل الشيخ راشد، فهذا العزيز الذي فقدناه استطاع بعرقه وكفاحه أن ينتزع احترام العالم بالنهضة الشاملة التي زرعها في دبي لتصبح اليوم واحدة من المدن المتطورة المعروفة عالمياً بفضل خدماتها وحضارتها وموقعها).


الله يرحمك يا راشد بن سعيد ... 

7 comments:

rana said...

شركة تنظيف بالجبيل ان النظافة تعتبرركن اوعمود المنزل الذى يتكئ علية اية منزل فلا تستهونون بالنظافة وذلك لانها اضرار عديدة فالاماكن المتسخ والغير نظيفة تعتبر بمثابة ملجا تعيش وتتكاثر بة الجراثيم والفيروسات والفطريات مما يؤدى الى اصابتنا بالامراض الخطيرة التى فى بعض الاحيان لا يمكن ان تعالج ولذلك يجب على كل فرد الاهتمام والاعتناء بالنظافة والتنظيف المستمر فى منزلة او مكان عملة ولاننا نعمل على توفير الامن والامان والراحة اليكم فنقدم لكم اقوى شركة نظافة فى المملكة العربيةالسعودية وهى شركة تنظيف بالدمام فمع شركتنا لا داعى للخوف من اليوم بشان التنظيف ففريق عمل الشركةسوف يتولى كافة اعمال النظافةويخلصكم منها فى الحال ولان الحشرات عادتا مرتبطة بالنظافة وذلك لان الحشرات تفضل دائما العيش فى الاماكن التى يكثر بها الاوساخ حتى تتمكن من الاختباء والهروب فى الحال واليكم افرع الشركة لمكافحة الحشرات والقضاء عليها نهائيا شركة مكافحة حشرات بالدمام شركة مكافحة حشرات بالخبر شركة رش مبيدات بالدمام شركة رش مبيدات بالخبر شركة مكافحة النمل الابيض بالدمام
للاستفسار وطلب الخدمة
جوال رقم 0558973863

التميز المثالي للخدمات المنزلية said...



شركة كشف تسربات المياه بالقطيف
شركة تسليك مجارى بالجبيل
شركة مكافحة حشرات بالجبيل
شركة تسليك مجارى بصفوى وسيهات وراس تنورة
شركة كشف تسربات المياه بالاحساء
شركة مكافحة حشرات ببقيق
شركة مكافحة حشرات بسيهات
شركة تنظيف منازل براس تنورة
شركة تنظيف منازل بالجبيل
شركة تنظيف منازل بالخبر
شركة تنظيف منازل بالقطيف


التميز المثالي للخدمات المنزلية said...

شركة كشف تسربات المياه بالدمام
شركة مكافحة النمل الابيض براس تنورة
شركة مكافحة حشرات براس تنورة
شركة تسليك مجارى بالرياض
شركة مكافحة حشرات بالرياض
شركة تنظيف بيوت بالخبر
شركة تنظيف سجاد بالدمام
شركة تنظيف شقق بالدمام
شركة تنظيف مجالس بالدمام
شركة جلى بلاط ورخام وسيراميك بالدمام

التميز المثالي للخدمات المنزلية said...



شركة عزل اسطح بالاحساء
شركة تسليك مجارى بالاحساء
شركة مكافحة النمل الابيض بالاحساء
شركة مكافحة حشرات بالاحساء
شركة تنظيف بالاحساء
شركة تنظيف سجاد بالاحساء
شركة تنظيف شقق بالاحساء
شركة تنظيف فلل بالاحساء
شركة تنظيف مجالس بالاحساء
شركة رش مبيدات بالاحساء

التميز المثالي للخدمات المنزلية said...



شركة تسليك مجارى بخميس مشيط
شركة تنظيف بخميس مشيط
شركة تنظيف سجاد بخميس مشيط
شركة تنظيف شقق بخميس مشيط
شركة تنظيف فلل بخميس مشيط
شركة تنظيف منازل بخميس مشيط
شركة تنظيف موكيت بخميس مشيط
شركة رش مبيدات بخميس مشيط
شركة مكافحة النمل الابيض بخميس مشيط

التميز المثالي للخدمات المنزلية said...


شركة تنظيف منازل ببقيق
شركة تنظيف بجازان
شركة رش مبيدات بجازان
شركة مكافحة النمل الابيض بجازان
شركة مكافحة حشرات بجازان
شركة مكافحة الصراصير بابها
شركة مكافحة الصراصير بخميس مشيط
شركة مكافحة حشرات بخميس مشيط


التميز المثالي للخدمات المنزلية said...

شركة طيوب لتسليك المجارى بالدمام
شركة طيوب لتسليك المجارى بالقطيف
شركة كشف تسربات المياه براس تنورة
شركة تسليك مجارى بالخبر
شركة كشف تسربات المياه بالخبر
شركة مكافحة حشرات بالخبر
شركة كشف تسربات المياه بالدمام
شركة كشف تسربات المياه بالقطيف
شركة مكافحة حشرات بالقطيف
شركة تسليك مجارى بالقطيف